Publisher .أبي البعثيماهر شرف الدين.

لا تعرف لغة ماهر شرف الدين في كتابه"أبي البعثي"صادر عن دار الجديد، بيروت 2005 الصمت الموحي والتلميح. إنها لغة لا تعرف الحياد، وتلغي مسافات الخيال بين الكلام والصور التي ينقلها. فهي توحد الصورة - الذكرى بالكلمات، فتصبح هذه عصية على تعدد المعاني والاستعارات. ويشعر القارئ أن هذه الكتابة غير موجهة إليه، ولا تطلب مشاركته. فهي تحصره بدور المشاهد السلبي الذي لا يسعه سوى النظر إلى هذا العالم، وإلى هذه السيرة من بعيد. فالقارئ لا يقدر على فهم ما يقرأ فهماً خاصاً به، ولا يستطيع قياس ما يقرأه على تجربته الشخصية. فهو مدعو إلى مشاهدة عالم غرباء غرابة العالم الخارجي أو الفضاء الخارجي، على ما يُقال في أدبيات الخيال العلم و"أبي البعثي"سيرة تبدأ بما يخاله القارئ حلماً مطر ينقطع كالتنفس... نجوم تلمع كأنها غسلت للتو، ولكن سرعان ما ينقطع هذا الحلم، فيُقتل القمر وما يحمل من غزل وصبابة وجمال، وتُشوه جثته قمر مبقور البطن بسكين، قمر مفلوق بالبلطة، قمر متورم العين.... وتُذكّر"حشود"البدء في"أبي البعثي"باليوم الاخير. ويغلب منبوذو المجتمع ومن هم على هامشه، على جمهور هذا اليوم العميان والعرج والبرص والجرب، والأرامل والشحاذون، البدينات والمعتوهات، المخنثون والمهووسون والمشلولون والمخبولون والمصروعون والمشوهون.... ويقطن هؤلاء في دهاليز قاتمة وسوداوية ومحمومة. فيبدو الخروج من هذه الدهاليز إلى ضوء التذكر والاستعادة والمقارنة والتقويم مستحيلاً. ولا يذلل هذه الاستحالة وصعوباتها سوى اللقاء بحشود مختلفة"مشغولة بحريتها ورؤوسها لبنانيو ساحة الشهداء - ببيروت في الرابع عشر من آذار مارس النظيفة والممشطة". ومن شأن الالتقاء بجموع مختلفة عن تلك التي تغيب في غياهب النسيان، إيقاظ الذكريات ودعوة صاحبها إلى تذكر أو رواية تفاصيل العيش اليومي في مسقط رأسه، والحداد على جدّه بعد مرور سنة على وفاته، وعلى أحلام الطفولة وصورها عن الروح والحياة، والأسف والندم والاعتذار وتقريع النفس، ومسامحة"الاب البعثي.